السبت، 25 أكتوبر 2008

اخترت لكم مما قرأت ...


الشجاعة المعكوسة

أن تحمل راية الإصلاح أمر سهل ، خاصة عندما يُؤمن لك ذلك بعض المصالح ، فيغطيك مثلا مواقعاً اجتماعياً متميزاً ، أو يدرُّ عليك بعض الأرباح .

إنما تكمن الصعوبة في الاستمرار في حمل الراية ، مع مواجهتك للصعاب .

قال لي أحدهم : (( كُنت أعتقد أنّ النضال هو منشور نوزعه ، فإن لم نحقق به أهدافنا ، فسلاح نحمله ، ثم ننتصر على العدو ، ونزيحه عن سدة الحكم ، ونجلس عل الكرسي بدلاً عنه )) .

وأضاف : (( ثمّ بعد سنوات اكتشفنا أن في النضال سنوات عجاف يأكلنّ كل ما زرعناه ، وتدعنا بلا ظهر فنركب ، ولا ضرع فنحلب )) .

وفي الحقيقة فإنه في مواجهة صعوبات النضال ينقسم الناس إلى قسمين :

-
قسم يزداد إصرار على المضي في طريق الحق ، مهما كلفهالأمر من ثمن .

-
وقسم يتراجع إلى الوراء لأن ذلك أسهل الحلّين وأرخصهما .

والذين يتراجعون ليسوا سواء .. فبعضهم ينكمش على ذاته وينعزل . وبعضهم ينكمش على الحق ليذبحه ، ويطعم لحمه للأنظمة التي كان يناضل ضدها ..

قال لي أحد هؤلاء : (( إلى متى تريدنا في صفوف المعارضة ؟ )) .

قلت : (( وماذا خسرتم بها ؟ )) .

إنكم بالمعرضة كسبتم الناس ، ثم بعتم رايتها للحكومة فكسبتم بها الحكومة ، فلماذا تسبّها بعد عملية الربح هذه ؟

لقد عاصرت رجالاً كنّا نظن أنهم ممن سيتحدث عنهم للتاريخ كأبطال ، وإذا بهم يحملون مشعل الإصلاح بعض يوم ، ثم يبيعونه في سوق المساومات بعد ذلك ، ليأكلوا به خبزاً ..

هؤلاء يرون الجهاد مجرد (( دكان)) ، يفتحونه لكي يربحوا فيه ، فإذا لم يدر عليهم الربح ، أغلقوه ، ليفتحوا مع أعدائهم (( شركة )) تؤمن لهم معائشهم .

قال لي صديق وهو يتحدث عن هؤلاء : (( هل تعتقد إن مثل هذا العمل خيانة ؟ )) .

قلت : (( ربما الأمر كذلك ، وربما هي الشجاعة المعكوسة ، حيث يندفع أصحابها إلى أحضان مصدر التهديد السابق ، أي سلطان الجور ، ليجدوا في حضنه الأمن الذي افتقدوه بمعاداته )) .

قال : (( وَلِمَ لا تفسره بأنه انسحاب تكتيكي ؟ )) .

قلت : (( حتى وإن فسرناه بذلك ، فهو انسحاب لمصلحة الشيطان ، لأنه ينبع من الخوف من المواجهة ، ويؤدي إلى تراجع جيل بأكمله عن المطالبة بحقوقه . ))

قال : (( ولكنهم يقولون إن ذلك يرجع إلى الاعرتاف بالواقع ، والتخلص من الحالة المثالية التي كُنا نعيشها .. فالمعرضة لم تعد تنفع شيئاً . ))

قلت : (( وهل كانت المعارضة ( مخبزاً ) فتحوه ، ليبيعوا فيه الخبز ، وعندما قلّ عدد المشترين أغلقوه ، ام كانت مسؤولية دينية وحضارية ؟

ثم أنه ليس مهماً أن نعرف لماذا يتراجع البعض عن مواقفه ما دامت النتيجة واضحة ، حيث يتحول النضال ضد الطاغوت إلى النضال ضد الثائرين عليه ، ويتحول التقرب إلى الظالم سباقاً بين مناضلي الأمس لنيل رضاه .. ويصبح من كان يدعي أنه ( قائد ) ثورة ، مجرد ( مأذون ) في إجراء العقد والطلاق ، ويصبح النجاح الشخصي هدفاً للحياة بدل نجاح الأمة ..

إن مثل هؤلاء ، مثل بعض الفلاحين الذين أُعطيت لهم بذور القمح ليزرعوها للناس ، ولكنهم أكلوها ، ثم طالبوا الناس بأن يعطونهم ثمناً على أكلهم لتلك البذور ..

قال : (( أليس من حق الإنسان أن يترك راية الإصلاح ، كما أن من حقه إن يحملها ؟ ))

قلت : (( ليس حمل راية الإصلاح في مواجهة الفساد حقاً ، بل هو واجب ،وتركها بعد حملها ليس رخصة بل هو جريمة .. والله أعلم

...............................

قرأت هذه الكلمات وأثرت بى جدا ...ترى هل أثرت بكم أيضا ؟؟

هناك تعليق واحد:

belal يقول...

للأسف الصنف ذو السجاعة المعكوسة موجود وبكثرة كثيرة .. لكن أيضا من الذين يتراجعون ..من يبدأ في تخفيف اللهجة..والكلام عن الحوار المتبادل والحلول الوسطية ..دون أن ينكمش ..او ينضم للفريق الآخر
لكنه مع ذلك يبقى مثلهم في الجريمة

..